زكرياء بنجما، شاب مغربي كفيف منذ الولادة، لم يكن يتخيل يوماً أن ينتهي به المطاف في إسبانيا، ولا أن يصبح رمزًا للإرادة الصلبة والتغلب على الصعاب.
وتورد صحيفة "أوروبا سور" قصة هذا الشاب الذي وصل إلى مدينة الجزيرة الخضراء (Algeciras) وهو في التاسعة عشرة من عمره، وحيدًا، دون لغة أو أقارب يستقبلونه، باستثناء عمته فاطمة التي كانت نقطة الضوء الوحيدة في بداية طريقه المليء بالتحديات.
نشأ زكرياء في المضيق، وسط بيئة عائلية صعبة، ورغم ظروفه، لم يكن يتوقع أن يعيش يومًا في أوروبا.
يقول في تصريح للصحيفة: "بالنسبة لشخص مثلي، لديه إعاقة، عبور الحدود لم يكن سهلًا، هذا صعب على أي شخص عادي".
طوال ثلاث سنوات، احتضنته مؤسسة كروز بلانكا ضمن مشروع رعاية الأشخاص في وضعية التشرد، لكن المؤسسة لم توفر له فقط سقفًا يؤويه، بل وفرت له بيئة آمنة، ودعمًا نفسيًا وتقنيًا ساعده على النهوض مجددًا.
يتابع زكرياء "عانيت كثيرًا، وكان التحدي الأكبر في البداية هو اللغة. لم أكن أفهم شيئًا"، لكن اليوم، بعد خمس سنوات من وصوله، أصبح شخصًا مختلفًا تمامًا.
حصل مؤخرًا على مستوى B1 في اللغة الإنجليزية من المدرسة الرسمية للغات، ويعمل كبائع في منظمة المكفوفين الإسبانية ONCE منذ مايو الماضي، ويدرس السنة الأولى في شعبة القانون.
"ما زلت أتكيف مع الدراسة، بين العمل والالتزامات، الأمر ليس سهلاً، لكنني مستمر"، يورد المغربي الشاب.
وتصف "أوروبا سور" زكرياء بأنه لم يومًا شخصًا سلبيًا، فخلال فترة إقامته في المركز، شارك في حملتين للترجمة للمسافرين في عملية عبور المضيق، ودرّس الإسبانية لزملائه، وبنى شبكة من العلاقات التي أصبحت اليوم سندًا له.
وتخلص الصحيفة إلى أنه، في عالم لا يزال يشكك أحيانًا في القادم من بعيد، تأتي قصة زكرياء لتثبت أن التمكين والاحتواء قادران على صنع المعجزات
من جهتها، تقول المؤسسة التي دعمته: "عندما يوجد الدعم والإصرار، يصبح التغيير ممكنًا. اليوم ربحنا جميعًا، العالم بات أفضل قليلًا".
زكرياء لم يأتِ ليكون نموذجًا، لكنه أصبح كذلك، وها هو يواصل، بصمت، وبتواضع، وبابتسامة صادقة، رسم مستقبله تحت شمس الجزيرة الخضراء.
